غروب أحلام ندى

في إحدى القرى النائية على أطراف المدينة، حيث تلامس حقول القمح السماء الزرقاء، كانت تعيش فتاة صغيرة تدعى ندى. لم تكن ندى فتاة عادية، بل كانت تحمل في قلبها أحلاماً واسعة ك سماء قريتها الهادئة، ورغم صغر سنها، كانت عيناها تعكسان عمقاً غير مألوف لدى الأطفال.

كانت ندى تعيش مع والدها الفلاح، الرجل الطيب الذي علمها أن الحياة ليست فقط حقولا تزرع و أرضا تحرث، بل هي أيضًا قلب ينبض بالأمل والطموح. كان والدها يحبها حبا كثيرا، وبعد وفاة والدتها أثناء ولادتها، أصبحت ندى هي روحه وقلبه. كانت حياته تدور حولها، وكان يضحي بكل شيء من أجل أن يراها سعيدة.

مرت السنوات، وكبرت ندى وأصبحت شابة في مقتبل العمر. كانت تطمح أن تدرس في المدينة، أن تخرج من قريتها الصغيرة وتصبح شيئًا كبيرًا في هذا العالم. كانت تؤمن أن التعليم هو مفتاح المستقبل، وكانت ترى في الكتب نافذة تطل بها على العالم الواسع.

ولكن القدر كان له رأي آخر.

ذات يوم، بينما كان والد ندى يعمل في الحقول، شعر بآلام شديدة في صدره. لم يكن الألم عاديا، بل كان يشبه حريقا يلتهم صدره. سقط على الأرض فاقدا الوعي، وعندما وصلته ندى، كانت الدموع تغرق وجهها وهي تراه يتلوى من الألم.

تم نقله إلى المستشفى القريب، وهناك اكتشف الأطباء أنه يعاني من مرض القلب الحاد، وأن حالته تستدعي إجراء عملية جراحية عاجلة ومكلفة. كانت ندى تعلم أن تكاليف العملية تتجاوز بكثير إمكانياتهم المالية المتواضعة.

بدأت ندى في بيع كل ما تملكه، بكت بحرقة وهي تبيع مجوهرات والدتها، حتى أنها باعت الأرض الصغيرة التي ورثتها عن والدها. كل هذا من أجل أن تنقذ حياة والدها، الذي كان بالنسبة لها كل شيء في هذه الحياة.


ورغم كل التضحيات، لم يكن المبلغ كافيا لإجراء العملية. كانت تشعر بالعجز واليأس. أين تذهب؟ ومن يساعدها؟ كيف يمكن أن يذهب والدها هكذا دون أن تستطيع إنقاذه؟

في تلك الليلة، جلست ندى بجوار سرير والدها في المستشفى، وعيناها تغرقان في بحر من الدموع. كانت تسمع صوته الضعيف وهو يقول لها: "لا تبكي يا ندى، لقد فعلت ما بوسعك. القدر هو من يقرر، وليس نحن."

في صباح اليوم التالي، غادرت ندى المستشفى لتذهب للبحث عن حل أخير. كانت تسير في شوارع المدينة الكبيرة، والناس من حولها يتحركون بسرعة، غير مبالين ب أحزانها و ألمها. شعرت بوحدة عميقة، كأن العالم قد نسيها تمامًا.

وفي تلك اللحظة، قررت ندى أن تقف أمام أحد المراكز الإعلامية، وتكتب رسالة على ورقة صغيرة: "أنا ندى، فتاة صغيرة من قرية نائية. أبي مريض بالقلب، ولا أملك المال لإنقاذه. أحتاج للمساعدة."

علقت الورقة على جدران المركز، متمنية أن يقرأها أحدهم. لم تكن تتوقع الكثير، لكنها كانت تعرف أن لا شيء أسوأ من الاستسلام.

مرت أيام، وظلت ندى تنتظر معجزة، لكن لم يأت أحد. وفي إحدى الليالي، عندما عادت إلى المستشفى، وجدت أن والدها قد فارق الحياة. تحطمت كل أحلامها و آمالها في لحظة. جلست بجواره وهي تحتضنه، تشعر بأن العالم قد انتهى بالنسبة لها.

بعد وفاة والدها، أصبحت ندى تعيش في قريتها وحيدة، ولم تعد تجرؤ على التفكير في أحلامها القديمة. كانت تسير في الحقول يوميًا، تتذكر كلمات والدها، وتشعر بغيابه في كل زاوية من حياتها.


ورغم الألم العميق، كانت ندى تعلم أن والدها يريد لها أن تستمر في الحياة، حتى ولو كانت بدون وجوده. فقررت أن تكرس حياتها لمساعدة الآخرين، وتوجيههم نحو تحقيق أحلامهم، حتى لا يعانوا ما عانته.


في النهاية، لم يكن الحزن هو النهاية. بل كان بداية جديدة لندى، رغم أن جروحها لم تلتئم أبدًا، إلا أنها أصبحت رمزا للأمل والقوة في قريتها الصغيرة.

تعليقات